الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وقوع أهل البصرة بالحجاج. ثم خرج الحجاج من الكوفة واستخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة وسار إلى البصرة وقدمها وخطب بالكوفة وتوعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك بن عمرو اليشكري وكان به فتق فاعتذر به وبأن بشر بن مروان قبل عذره بذلك وأحضر عطاءه ليرد لبيت المال فضرب الحجاج عنقه وتتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه وبين المهلب ثمانية فرسخا وأقام يشد ظهره وقال: يا أهل المصرين هذا والله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج ثم قطع لهم الزيادة التي زادها مصعب في الأعطية وكانت مائة مائة وقال: لسنا نجيزها فقال عبد الله بن الجارود: إنما هي زيادة عبد الملك وقد أجازها أخوه بشر بأمره فانتهره الحجاج فقال: إني لك ناصح وإنه قول ورائي فمكث الحجاج أشهرا لا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فرد عليه ابن الجارود مثل الرد الأول فقال له مضفلة بن كرب العبدي سمعا وطاعة للأمير فيما أحببنا وكرهنا وليس لنا أن نرد عليه فانتهره ابن الجارود وشتمه وأتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعي وقالوا: إن هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة وإنا نبايعك على إخراجه من العراق ونكتب إلى عبد الملك أن يولي علينا غيره وإلا خلعناه وهو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق فبايعوه سرا وتعاهدوا وبلغ الحجاج أمرهم فاحتاط وجد ثم خرجوا في ربيع سنة ستة وسبعين وركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم ولم يبق مع الحجاج إلا خاصته وأهل بيته وبعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله وصرح بخلع الحجاج فقال له الرسول: تهلك قومك وعشيرتك! وأبلغه تهديد الحجاج إياه فضرب وأخرج وقال: لولا أنك رسول لقتلتك ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشى فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع وأخذوا زجاجته وانصرفوا عنها فكان رأيهم أن يخرجوه ولا يقتلوه وقال الغضبان بن أبي القبعثري الشيباني لابن الجارود: لا ترجع عنه وحرضه على معالجته فقال إلى الغداة وكان مع الحجاج عثمان بن قطن وزياد بن عمر العتكي صاحب الشرطة بالبصرة فاستشارهما فأشار زياد بأن يستأمن القوم ويلحق بأمير المؤمنين وأشار عثمان بالثبات ولو كان دونه الموت وقال: لا تخرج إلى أمير المؤمنين من العراق بعد أن رقاك إلى ما رقاك وفعلت ما فعلت بابن الزبير والحجاز فقبل رأي عثمان وحقد على زياد في إشارته وجاءه عامر بن مسمع يقول: قد أخذ لك الأمان من الناس فجعل الحجاج يغالطه رافعا صوته عليه ليسمع الناس ويقول والله لا آمنهم حتى تؤتوني بالهذيل بن عمران وعبد الله بن حكيم ثم أرسل إلى عبيد بن كعب الفهري أن إئتني فامنعني فقال له: إن أتبتني منعتك فأبى وبعث إلى محمد بن عمير بن عطارد وعبد الله بن حكيم بمثل ذلك وأجابوه مثله ثم إن عباد بن الحصين الجفطي مر بابن الجارود والهذيل وعبد الله بن حكيم يتناجون فطلب الدخول معهم فأبوا وغضب وسار إلى الحجاج وجاءه قتيبة بن مسلم في بني أعصر للحمية القتيبية ثم جاءه سبرة بن علي الكلابي وجعفر بن عبد الرحمن بن مخثف الأزدي فثابت إليه نفسه وعلم أنه قد امتنع وأرسل إليه مسمع بن مالك بن مسمع: إن شئت أتيتك وإن شئت أقمت وثبطت عنك فأجابه أن أقم فلما أصبح إذا حوله ستة آلاف وقال ابن الجارود لعبد الله بن زياد بن ضبيان ما الرأي؟ قال تركته أمس ولم يبق إلا الصبر ثم تراجعوا وعبى ابن الجارود وأصحابه على ميمنة الهذيل وعلى ميسرته سعيد بن أسلم وحمل ابن الجارود حتى حاصر أصحاب الحجاج وعطف الحجاج عليه فقارب ابن الجارود أن يظفر ثم أصابه سهم غرب فوقع ميتا ونادى منادي الحجاج بأمان الناس إلا الهذيل وابن حكيم وأمر أن لا يتبع المنهزمين ولحق ابن ضبيان بعمار فهلك هنالك وبعث الحجاج برأس ابن الجارود ورأس ثمانية عشر من أصحابه إلى الملك ونصبت ليراها الخوارج فيتأسوا من الاختلاف وحبس الحجاج عبيد بن كعب ومحمد بن عمير لامتناعهما من الإتيان إليه وحبس ابن القبعثري لتحريضه عليه فأطلقه عبد الملك وكان فيمن قتل مع ابن الجارود عبد الله بن أنس بن مالك فقال الحجاج: لا أرى أنسا يعين علي ودخل البصرة وأخذ ماله وجاءه أنس فأساء عليه وأفحش في كلمة في شتمه وكتب أنس إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يشتمه ويغلظ عليه في التهديد على ما فعل بأنس وأن تجيء إلى منزله وتتنصل إليه وإلا نبعث من يضرب ظهرك ويتهتك سترك قالوا وجعل الحجاج في قراءته يتغير ويرتعد وجبينه يرشح عرقا ثم جاء إلى أنس بن مالك واعتذر إليه وفي عقب هذه الواقعة خرج الزنج بفرات البصرة وقد كانوا قبل ذلك أيام مصعب ولم يكونوا بالكثير وأفسدوا الثمار والزروع ثم جمع لهم خالد بن عبد الله فافترقوا قبل أن ينال منهم وقتل بعضهم وصلبه فلما كانت الواقعة قدموا عليهم رجلا منهم إسمه رياح ويلقب بشير زنجي أي أسد الزنج وأفسدوا فلما فرغ الحجاج من ابن الجارود أمر زياد بن عمر صاحب الشرطة أن يبعث إليهم من يقاتلهم وبعث ابنه حفصا في جيش فقتلوه وانهزم أصحابه فبعث جيشا فهزم الزنج وأبادهم.
|